( الصفحة 160 )
في أصل ثبوت الكفّارة وعدمه ، كما في القسمين الأوّلين ، فالتعرّض لمقدارها لايرتبط بالمقام ، بل بكتاب الكفّارات ، ولعلّه لذا ترك الماتن (قدس سره) التعرّض لذكر المقدار هنا ، بخلاف السيّد (قدس سره) في العروة ، حيث إنّه تعرّض لمقدارها أيضاً(1) .
وأمّا القسم الثاني : الذي لا تجب فيه الكفّارة ; سواء كان واجباً كالصوم الواقع كفّارة ، أو ثلاثة وسبعة بدل الهدي ، كما حقّقناه في محلّه ، أم مندوباً كما في الأغلب ، فالدليل على عدم ثبوت الكفّارة فيه ولو مع وجوب الصوم بعنوانه ـ ولازمه عدم جواز الإفطار عن تعمّد واختيار ـ هو عدم الدليل عليها ، مع احتياجه كسائر التكاليف إلى الدليل ، وقد عرفت أنّ مجرّد عدم جواز الإفطار لا يترتّب عليه وجوب الكفّارة .
وأمّا القسم الثالث : الذي كان مورداً للاختلاف فهو صوم الاعتكاف ، والكلام فيه تارة: في الجماع ، واُخرى: في غيره من المفطرات .
أمّا الأوّل: فالظاهر أ نّه لا إشكال ولا خلاف في وجوب الكفّارة في الجماع في صوم الاعتكاف(2) وإن وقع الاختلاف في تعيين المقدار ، وأ نّه هل هو كفّارة شهر رمضان، كما ذهب إليه المشهور (3) ، أو أ نّها كفّارة الظهار، كما عن صاحب المدارك (4)؟ والأخبار مختلفة من هذه الجهة وإن كان بينها اتّفاق في أصل ثبوت الكفّارة ، مثل :
موثقة سماعة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن معتكف واقع أهله؟ فقال
- (1) العروة الوثقى 2 : 35 مسألة 2470 .
(2) رياض المسائل 5 : 526 ، مستمسك العروة 8 : 351 ، المستند في شرح العروة 21 : 334 .
(3) الحدائق الناضرة 13: 496، رياض المسائل 5 : 527 ، جواهر الكلام 17 : 210 .
(4) مدارك الأحكام 6 : 244 .
( الصفحة 161 )
(قال خ ل) : هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان(1)، ورواها في الوسائل في باب واحد مرّتين، مع أ نّه من الواضح عدم ثبوت التعدّد في البين .
وصحيحة زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المعتكف يجامع (أهله خ ل)؟ قال : إذا فعل فعليه ما على المظاهر(2) .
ولكن قد عرفت أنّ الكلام هنا لا يكون إلاّ في أصل ثبوت الكفّارة وعدمها لا في مقدارها . وعليه : فلا إشكال في ثبوت الكفّارة في الجماع ، ولذا لو وقع في الليل الذي لا يصام فيه تكون الكفّارة ثابتة ، ولم يستفصل في الروايتين عن أنّ الجماع هل وقع في الليل أو في النهار الذي يصوم المعتكف فيه؟
وأمّا الثاني : فالمشهور(3) فيه عدم الإيجاب للكفّارة ; إذ لا ملازمة بينه وبين الحرمة ، والمحكي عن المفيد والسيّدين والعلاّمة وجوب الكفّارة مطلقاً(4) ، بل عن الغنية دعوى الإجماع على الإلحاق بالجماع ، وهي كما ترى ، مضافاً إلى كونه من الإجماع المنقول الذي ليس بحجّة ، مخالفة للمشهور كما عرفت ، ونسب إلى بعض(5)إلحاق الاستمناء بالجماع ، وهو فاقد للدليل ; لأنّ ما ورد إنّما هو بالإضافة إلى الجماع، من دون فرق بين النهار والليل .
وممّا ذكرنا ظهر أ نّه لو كان الاعتكاف في شهر رمضان يكون الجماع في النهار
- (1) الفقيه 2 : 123 ح 534 ، الكافي 4 : 179 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 291 ح 886 و ص 292 ح 888 ، الاستبصار 2 : 130 ح 423 و 425 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 547 ، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 2 و 5 .
(2) الفقيه 2 : 122 ح 532 ، الكافي 4 : 179 ح 1، تهذيب الأحكام 4 : 291 ح 787 ، الاستبصار 2 : 130 ح 424 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 546 ، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 1 .
(3) جواهر الكلام 17: 208، مدارك الأحكام 6: 349، مستند الشيعة 10: 575، ذخيرة المعاد: 542.
(4) المقنعة : 363 ، غنية النزوع: 147 ، رسائل الشريف المرتضى 3 : 61 ، تذكرة الفقهاء 6 : 318 .
(5) المبسوط 1 : 294 ، الخلاف 2 : 238 مسألة 113 ، تذكرة الفقهاء 6 : 318 .
( الصفحة 162 )
مسألة 5 : لو أفطر متعمّداً لم تسقط عنه الكفّارة ـ على الأقوى ـ لو سافر فراراً من الكفّارة ، أو سافر بعد الزوال ، وعلى الأحوط في غيره . وكذا لا تسقط لو سافر وأفطر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص على الأحوط . بل الأحوط عدم سقوطها لو أفطر متعمّداً ، ثمّ عرض له عارض قهريّ من حيض أو نفاس أو مرض وغير ذلك وإن كان الأقوى سقوطها . كما أنّه لو أفطر يوم الشكّ في آخر الشهر ثمّ تبيّن أنّه من شوّال ، فالأقوى سقوطها كالقضاء 1 .
موجباً لثبوت كفّارتين للإفطار في شهر رمضان وللاعتكاف ، وهو مع أ نّه مقتضى القاعدة ، يدلّ عليه رواية عبدالأعلى بن أعين ـ التي في طريقها محمد بن سنان ـ قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان؟ قال : عليه الكفّارة . قال : قلت : فإن وطأها نهاراً ؟ قال : عليه كفّارتان(1) . ولا مجال لاحتمال التداخل في مثل ذلك بعد كون الموجبين مختلفين وإن فرض اتّحاد جنس الكفّارتين ، فتدبّر .
1ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : لو أفطر متعمّداً فيما لو كان الإفطار موجباً للكفّارة وسافر بعد ذلك ، فقد فصّل في المتن بين ما لو كان السفر لأجل الفرار من الكفّارة ، أو كان السفر بعد الزوال ، فقد قوّى فيه عدم سقوط الكفّارة ، وبين غيره ، كما لو لم يكن السفر لأجل الفرار ولم يكن بعد الزوال ; بأن كان قبله لا للفرار ، فاحتاط وجوباً عدم السقوط . أمّا وجه قوّة العدم في الفرض الأوّل; فلأ نّ مقتضى الاستصحاب عدم السقوط ;
- (1) الفقيه 2 : 122 ح 533 ، تهذيب الأحكام 4 : 292 ح 889 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 547 ، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 4 .
( الصفحة 163 )
لفرض الثبوت حين الإفطار بعد تحقّقه من ناحية ، وعدم السفر حال الإفطار ، فهو مكلّف بالصوم حاله ، وقد وقع إفطاره متعمّداً ، فتجب عليه الكفّارة .
ولا مجال لأن يقال : إنّ السفر قبل الزوال خصوصاً فيما لو كانت نيّته من الليل ـ لا حادثة في النهار ـ يكشف عن عدم كونه مكلّفاً بالصوم الذي هو الإمساك في جميع النهار بقصد الصوم والأمر المتعلّق به ; لأنّ عنوان الإفطار متعمّداً في حاله كان محفوظاً ، أفيجوز قطع الصلاة على تقدير الحرمة بمجرّد العلم بخروج الحدث منه قبل إتمامها ؟ وهل يكون الخروج المزبور كاشفاً عن عدم كون خروجه عن الصلاة فهو غير محرّم ؟
والمقام كذلك ، خصوصاً فيما إذا كان السفر لأجل الفرار عن الكفّارة ، مع أ نّه لو كان السفر للفرار المزبور مفرّاً عن تعمّد الإفطار الموجب للكفّارة لاُشير إليه في جملة من الروايات الدالّة على ذلك ، مع أ نّه لم تقع الإشارة إليه ولو في واحدة فضلاً عن المتعدّدة ، وهذا مع أ نّه مقتضى القاعدة ، يدلّ عليه بعض النصوص ، مثل :
صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : أيّما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنّه يزكّيه . قلت له : فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم ؟ قال : ليس عليه شيء أبداً . قال وقال زرارة عنه (عليه السلام) : أ نّه قال : إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته ثمّ خرج في آخر النهار في سفر، فأراد بسفره ذلك إبطال الكفّارة التي وجبت عليه ، وقال : إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ، ولكنّه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شيء، بمنزلة منخرج ثمّ أفطر . . . إلخ(1); فإنّه لا مجال معها للمناقشة في أنّه إذا خرج بعد تعمّد
- (1) الكافي 3 : 525 ح 4 ، تهذيب الأحكام 4 : 35 ح 92 ، الفقيه 2 : 17 ح 54 ، وعنها وسائل الشيعة 9 : 163 ، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضة ب 12 ح 2 .
( الصفحة 164 )
الإفطار الموجب للكفّارة في آخر النهار الذي يراد به لا محالة بعد الزوال، وكان غرضه من الخروج للسفر إبطال الكفّارة فهي لا تسقط ، ولأجله لابدّ من الحكم به بنحو الفتوى كما في المتن .
نعم ، لو كان خروجه في أوّل النهار ، الذي يراد به قبل الزوال بغير قصد الفرار عن الكفّارة فقد احتاط فيه وجوباً بعدم السقوط ، ولعلّ الوجه فيه استفادة وحدة الملاك ; وهو حصول الإفطار في زمان كان مأموراً فيه بالصيام وإن انكشف الخلاف بعد .
الثاني : لو سافر وأفطر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص المجوّز للإفطار ; فإنّه احتاط وجوباً أيضاً فيه بالملاك المتقدّم .
الثالث : ما لو تعمّد الإفطار ثمّ عرض له عارض قهريّ من مرض أو حيض أو نفاس أو غيرها ، فقد قوّى فيه في المتن سقوطها واحتاط استحباباً بالعدم ، ولازم ما ذكرنا من الملاك هو القول بعدم السقوط في هذا الفرع أيضاً ; لأنّه كان مأموراً حين الإفطار بالصيام وعدم جواز الإفطار ، لكن يمكن أن يقال بالسقوط هنا ; لأنّه لم يفعل موجبه اختياراً ، وحتى لا يكون كالسفر بعد الزوال ، بل العلّة ناشئة من أمر غير اختياري ، وإن شئت قلت : إنّه كما لا يجب في هذه الصورة القضاء في أكثر مواردها ، كذلك لا تجب الكفّارة ، فتدبّر جيّداً .
الرابع : ما لو أفطر في يوم الشكّ من شوّال ثم تبيّن أ نّه لم يكن من شهر رمضان وأنّ الإفطار قد وقع في يوم العيد ، فقد قوّى في هذه الصورة عدم وجوب الكفّارة ولا القضاء ، ولعلّ الوجه فيه أ نّ الإفطار الكذائي واقع في محلّه ، غاية الأمر عدم الاطّلاع عليه وكون مقتضى الاستصحاب العدم ، ومع انكشاف الخلاف يعلم بالعدم ، فلا وجه فيه لشيء من الأمرين أصلاً .